صناعة النفس ..!!
ماذا تعني ؟
المعروف في لغتنا العربية، أن صانع نفسه هو " العصامي " وهذه الكلمة منسوبة إلى " عِصام " حاجب النعمان وصارت تعني الشخص الذي يَشرف بنفسه لا بآبائه ولعل ذلك كان أصل القول الشائع " كن عصامياً لا عظامياً " أي - اصنع بنفسك مثل عصام ولا تتكل على مجد الآباء الذين صاروا عظاماً ..
كما أن بيت الشعر العربي الشهير يشير إلى عصام هذا حين يقول :
ونفسُ عصام سّودت ْ عصاما
وعلمّته الكرّ و الإقداما
وكلمة " عصامي " هذه تُقابل في اللغة الانجليزية " صانع نفسه " Selfmade وفي اللغة الفرنسية " ابن عمله".
***
كل عامل جاد في اختصاصه هو صانع لنفسه وكلُّ مَنْ يستطيع التفوق في ناحية ما من النشاط الإبداعي الإنساني الاجتماعي يمكن أن يصير من العظماء إذا اتجه للإبداع في هذا النشاط ورغب فيه .
قد يكون العامل رائداً اجتماعياً إذا أدرك في نفسه ناحية يتميز بها، ويعمل على استغلالها .. كما قد يكون الزارع والطبيب المعلم والفنان وغيرهم .. إذا عرف كلٌّ منهم تلك الميزة وركزّ جهوده لخدمتها، خاصة أنه في العصر الحديث تغيرت الظروف التي تحيط بالفكر الإنساني نتيجة الثورة الشاملة في كل ما يتعلق بحياة الإنسان وفكره .. إذ مال الناس في القرن العشرين إلى الإيمان بالصفات المكتسبة، والتي صارت في الغالب هي التي تحدد لنا منزلتنا أو حظّنا في الحياة بما صنعناه بأيدينا، بعد أن كانوا في القرون الماضية يميلون إلى الإيمان بالوراثة على أنّها القدر، الذي يَعّين لنا حظّنا في الحياة بما ورثناه من كفايات عن الآباء والأجداد ..
****
ليس العظماء في هذا الكتاب من نوع واحد في المعرفة فبعضهم مبدع في الأدب، وبعضهم عالمٌ أنقذ البشرية من بعض آلامها، وبعضهم فيلسوف أنار بأفكاره بعض الزوايا في الفكر .. التقوا جميعاً على هدف نبيل: هو خدمة الإنسان والإنسانية .. والتقوا جميعاً على الطريق للوصول إلى هذا الهدف، وهو " العمل .. ثم العمل " فصاروا عظماء خالدين .
قد يختلف الناس على مستوى الإبداع عند هذا أوذاك كما قد يختلفون حول بروز الفروق الفردية بين هذا المبدع أو ذاك .. والكتاب حاول أن يتجاوز ذلك بقدر ما حاول التركيز على الخيط الجامع بينهم وهو القدرة علىصنع النفس في ظروف قاسية كانت في معظمها غير مؤاتية ..
****
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن هذا الكتاب يركز علىدور الفرد - الذاتي - ويغفل دور الواقع الموضوعي إيماناً منه بأن الأعمال الإبداعية هي نتاج مبدعين أفراد، وإن كان الإبداع نفسُه جزءاً من الحياة الاجتماعية .. ومن ثم ليس في مقدور أية عبقرية فردية أن تخلق مثلاً تياراً فنياً أومرحلة فنية، بل قُصارى ما تفعله العبقرية الفردية أن تدمغ بطابعها الفردي مرحلة من المراحل ذات المصدر الاجتماعي، فالمبدع لا يمكن أن يعبر عن مجتمعه وعصره إلاّ إذا كان ثّمة تفاعل وتأثير إيجابي، بين " أنا " المبدع، و " نحن " المجتمع .. لأن الإبداع الحقيقي دائماً يكون من أجل الآخرين ( المجتمع ) يُلاحظ المرءُ أن الكتابات الحديثة، قد بالغ بعضها في إكبار دور الجماعة والبيئة وأضاف كلَّ شيء إليها وأنكر دور الفرد .. وإذا ذكر فعلى أنه أداة من الأدوات ليس له قوة ولا عمل ولا إرادة.
كما يُلاحظ أن بعضها الآخر قد بالغ - بالعكس - في دور الفرد فأعطاه كلَّ شيء،وألغى دور المجتمع والبيئة كما ألغى السابقون دور الفرد .
وهؤلاء مخطئون كماأخطأ أولئك لأن الفرد قوّة قد تكون عظيمة الأثر أو ضئيلة، لكنها تبقى قوة لهاأثرها في تكوين قوةالجماعة .. فليس من الموضوعية أن نجعل الفرد كلَّ شيء ونهمل دور المجتمع ،ولا أن نهمل دور الفرد لنعطي كلَّ شيء للمجتمع .
***
إن الصلة العامة التي تجمع هؤلاء، هي الإيمان بقدرة الإنسان على تجاوز نفسه دائماً والإيمان بتقدم المجتمع .. وأن عمل الإنسان الخلاق،هو صانع العبقريات الخالدة .. وليس فيهم واحد اعتمد على " الإلهام " فقط في إبداعه و خلوده ..وإنْ اعترف بعضهم بوجود " الإلهام " فهو اعتراف على طريقة " فلوبير" الذي قال: " الإلهام يعني أن تجلس إلى منضدة العمل "الكتابة " كل يوم وفي نفس الساعة "
كما أن القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء، هوتغلّب الإرادة والعزم ،على أي عامل آخر في حياتهم بحيث يُحسُّ القارئ لأعمالهم والدارس لحياتهم ،بأنهم صنعوا عبقرياتهم بأنفسهم، كما يشعر أنّهم لا يكادون يملكون موهبةً من نوع تميزهم عن غيرهم من البشر العاديين، وأن موهبتهم كانت ثمرة إرادتهم واستمرارهم في العمل، وهنا تتجلى عظمتهم الإنسانية .. ففي حياة كل واحد منهم، نجد نافذة ندخل منها إلى نواحي العظمة عنده .. كمانجد في جواب كل واحد فيهم عن سؤال حول حياته، أو قد نجد الجواب في حياته نفسها،أو في بعض أعماله .. نجد أن العظمة كامنة في إرادة الإنسان عندما يعقد العزم على أن يكون عظيم الأثر، ولعل الشاعر العربي قصد إلى هذا المعنى حين قال:
والنفس راغبةُ إذا رغبتها
وإذا تُردُّ إلى قليل تقنعُ
وكان المتنبي غيرَ بعيد عن هذا حين قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
إن الغاية من وضع هذا الكتاب،هي إنعاش شعور أن نعيش الحياة في عملٍ وتعلم، واستقطارٍ كامل للوقت الذي نتقن إهداره ..
هذا في الوقت الذي لا تزعم فيه صفحات الكتاب أنها تقدم "وصْفة لــِ ((كيف يُصبح الإنسان عظيماً ؟ )) وإنما أحد الأهداف المنشودة أن تشير إلى درب العظمة عند هؤلاء الذين ورد ذكرهم، لأن من علامات النضج في الإنسان أن يفيد من تجارب غيره ليختصر الكثيرمن الوقت الذي يمكن أن يهدره وهو يجرب هذا ويُقلع عن ذاك .. وأن الإنسان لا يحتاج أن يكون موهوباً، خارق الذكاء كي يكون عظيماً ،وإنّمايكفيه أن يكون ذا قلبٍ يقظٍ، وضميرٍ حي، وإرادة مصمّمة ،يشعر أن الحياة لا تكون حياته حقاً، إلاّ إذا أُنفقت في عمل مُتصل من أجل الحرية والحق والعدل، وهنا يضيء قول " فيخته ": " .... أما أن تكون حراً فهذا لا شيء وأما أن تصبْح عظيماً فهذا كل شيء " لأن الإنسان الحقيقي هومخلوق العمل والإرادة .
كما يطمح الكتاب ،أن يكون في حياة كل واحد من هؤلاء ضوء للشباب الذي لا يرضى من حياته أن يكون ضيفاً أو مستأجراً في هذه الدنيا .
ولا يُريد الكتاب أن يقول: إن الإرادة والعمل، يحققان المستحيل بل يريد القول انهما يحققان الممكن ولا حدود مرئية لهذا الممكن الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان .
إن أحد طموحات هذا الكتاب أن يحفز القارئ إلى آثار الذين ورد ذكرهم، وآثار غيرهم ،لأن أي كتاب مهما كان لا يستطيع - وإن حاول - قول كل شيء عن واحدٍ من هؤلاء .
اتفق الناس أن تاريخ الرجال العظام، هو خير مدرسة للناس .. وفي سيرهم دروسٌ عظيمة الفائدة تدفعنا دائماً إلى الأمام .
والرجال العظام لا ينحصرون في مجال واحد من مجالات الحياة بل هم كمايقول " فولتير ": " مًنْ وفرّوا السعادة للبشر وهدوا الناس سُبل الحرية، ودعوا إلى ما يحقق المثل الإنسانية العليا " .
لم يتبع الكتاب الطريقة العادية - تعاقب الأزمان- وهو يتحدث عن بعض الذين صنعوا أنفسهم ،لا فيما بينهم كأفراد، ولا في تسلسل أحداث حيواتهم، ولكنه أتخذّ من مجمل حياة كل واحد فيهم المواقف المضيئة التي برز فيها دور الإرادة والقدرة على العمل المتواصل في جعل الحياة أكثر ثراءً وعطاءً .
تلك المواقف التي توضح ملامح الشخصية - موضوع الحديث - بقدر يكفي أن يجعل منها حافزاً نحو الصعود - إن لم ينجح في أن يجعل منها قدوة ومثلاً .
ليس القصد عرض الحياة في تتابعها الزمني، وإنّما القصد،التقاط تلك اللحظات العادية التي تبدو عند الكثيرين انها لحظات نادرة لا يملكها إلاّ الموهوبون من بني البشر .
الكتاب محاولة لأن يرسم لمن ذكرهم صورة فيها: شجاعة في المواقف، شجاعة في الرأي وصلت حدَّ الاستشهاد في سبيله، صلابة على المبدأ، إلى حد التضحية بالحياة من أجله ...
وشجاعة في الصبّر على قسوة الظروف الذاتية والموضوعية المحيطة كما الشجاعة في الإرادة والعمل المتواصل من أجل الوصول إلى الهدف المرسوم .
وإذا كانت الصورة تبدو غير كافية هُنا أوهناك فانها تبقى على أية حال صورة بوسع المرء إذا أراد أن يكملها وأن يسعى لذلك بنفسه .
وأحد الأمور التي يحاولها الكتاب، أن يضع القارئ أمام عدد من الأسئلة: كيف ننتصر علىعوامل التثبيط واليأس في حياتنا ؟ كيف نتجاوز الفشل ؟
كيف نتعلم الهدوء والصبر ونحن نحاول أن نقدّم شيئاً من أجل الآخرين، كيف نعود أنفسنا أن يكون لنا في حياتنا نعمل من أجله كي نبرر وجودنا الفاعل ؟
ولعل ما يريده الكتاب يوجزُ بكلمات .
يبقى النبوغ - أوصُنع النفس - ظاهرة اجتماعية فردية لم تستطع أكثر الظروف ظلاماً وقهراً أن تمحوها أوتحطّ من قدرها، وسوف يبقى النابغون - صانعو أنفسهم - مشعلاً يُضيء الدّرب نحو التقدم في العصور كلِّها .
ماذا تعني ؟
المعروف في لغتنا العربية، أن صانع نفسه هو " العصامي " وهذه الكلمة منسوبة إلى " عِصام " حاجب النعمان وصارت تعني الشخص الذي يَشرف بنفسه لا بآبائه ولعل ذلك كان أصل القول الشائع " كن عصامياً لا عظامياً " أي - اصنع بنفسك مثل عصام ولا تتكل على مجد الآباء الذين صاروا عظاماً ..
كما أن بيت الشعر العربي الشهير يشير إلى عصام هذا حين يقول :
ونفسُ عصام سّودت ْ عصاما
وعلمّته الكرّ و الإقداما
وكلمة " عصامي " هذه تُقابل في اللغة الانجليزية " صانع نفسه " Selfmade وفي اللغة الفرنسية " ابن عمله".
***
كل عامل جاد في اختصاصه هو صانع لنفسه وكلُّ مَنْ يستطيع التفوق في ناحية ما من النشاط الإبداعي الإنساني الاجتماعي يمكن أن يصير من العظماء إذا اتجه للإبداع في هذا النشاط ورغب فيه .
قد يكون العامل رائداً اجتماعياً إذا أدرك في نفسه ناحية يتميز بها، ويعمل على استغلالها .. كما قد يكون الزارع والطبيب المعلم والفنان وغيرهم .. إذا عرف كلٌّ منهم تلك الميزة وركزّ جهوده لخدمتها، خاصة أنه في العصر الحديث تغيرت الظروف التي تحيط بالفكر الإنساني نتيجة الثورة الشاملة في كل ما يتعلق بحياة الإنسان وفكره .. إذ مال الناس في القرن العشرين إلى الإيمان بالصفات المكتسبة، والتي صارت في الغالب هي التي تحدد لنا منزلتنا أو حظّنا في الحياة بما صنعناه بأيدينا، بعد أن كانوا في القرون الماضية يميلون إلى الإيمان بالوراثة على أنّها القدر، الذي يَعّين لنا حظّنا في الحياة بما ورثناه من كفايات عن الآباء والأجداد ..
****
ليس العظماء في هذا الكتاب من نوع واحد في المعرفة فبعضهم مبدع في الأدب، وبعضهم عالمٌ أنقذ البشرية من بعض آلامها، وبعضهم فيلسوف أنار بأفكاره بعض الزوايا في الفكر .. التقوا جميعاً على هدف نبيل: هو خدمة الإنسان والإنسانية .. والتقوا جميعاً على الطريق للوصول إلى هذا الهدف، وهو " العمل .. ثم العمل " فصاروا عظماء خالدين .
قد يختلف الناس على مستوى الإبداع عند هذا أوذاك كما قد يختلفون حول بروز الفروق الفردية بين هذا المبدع أو ذاك .. والكتاب حاول أن يتجاوز ذلك بقدر ما حاول التركيز على الخيط الجامع بينهم وهو القدرة علىصنع النفس في ظروف قاسية كانت في معظمها غير مؤاتية ..
****
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن هذا الكتاب يركز علىدور الفرد - الذاتي - ويغفل دور الواقع الموضوعي إيماناً منه بأن الأعمال الإبداعية هي نتاج مبدعين أفراد، وإن كان الإبداع نفسُه جزءاً من الحياة الاجتماعية .. ومن ثم ليس في مقدور أية عبقرية فردية أن تخلق مثلاً تياراً فنياً أومرحلة فنية، بل قُصارى ما تفعله العبقرية الفردية أن تدمغ بطابعها الفردي مرحلة من المراحل ذات المصدر الاجتماعي، فالمبدع لا يمكن أن يعبر عن مجتمعه وعصره إلاّ إذا كان ثّمة تفاعل وتأثير إيجابي، بين " أنا " المبدع، و " نحن " المجتمع .. لأن الإبداع الحقيقي دائماً يكون من أجل الآخرين ( المجتمع ) يُلاحظ المرءُ أن الكتابات الحديثة، قد بالغ بعضها في إكبار دور الجماعة والبيئة وأضاف كلَّ شيء إليها وأنكر دور الفرد .. وإذا ذكر فعلى أنه أداة من الأدوات ليس له قوة ولا عمل ولا إرادة.
كما يُلاحظ أن بعضها الآخر قد بالغ - بالعكس - في دور الفرد فأعطاه كلَّ شيء،وألغى دور المجتمع والبيئة كما ألغى السابقون دور الفرد .
وهؤلاء مخطئون كماأخطأ أولئك لأن الفرد قوّة قد تكون عظيمة الأثر أو ضئيلة، لكنها تبقى قوة لهاأثرها في تكوين قوةالجماعة .. فليس من الموضوعية أن نجعل الفرد كلَّ شيء ونهمل دور المجتمع ،ولا أن نهمل دور الفرد لنعطي كلَّ شيء للمجتمع .
***
إن الصلة العامة التي تجمع هؤلاء، هي الإيمان بقدرة الإنسان على تجاوز نفسه دائماً والإيمان بتقدم المجتمع .. وأن عمل الإنسان الخلاق،هو صانع العبقريات الخالدة .. وليس فيهم واحد اعتمد على " الإلهام " فقط في إبداعه و خلوده ..وإنْ اعترف بعضهم بوجود " الإلهام " فهو اعتراف على طريقة " فلوبير" الذي قال: " الإلهام يعني أن تجلس إلى منضدة العمل "الكتابة " كل يوم وفي نفس الساعة "
كما أن القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء، هوتغلّب الإرادة والعزم ،على أي عامل آخر في حياتهم بحيث يُحسُّ القارئ لأعمالهم والدارس لحياتهم ،بأنهم صنعوا عبقرياتهم بأنفسهم، كما يشعر أنّهم لا يكادون يملكون موهبةً من نوع تميزهم عن غيرهم من البشر العاديين، وأن موهبتهم كانت ثمرة إرادتهم واستمرارهم في العمل، وهنا تتجلى عظمتهم الإنسانية .. ففي حياة كل واحد منهم، نجد نافذة ندخل منها إلى نواحي العظمة عنده .. كمانجد في جواب كل واحد فيهم عن سؤال حول حياته، أو قد نجد الجواب في حياته نفسها،أو في بعض أعماله .. نجد أن العظمة كامنة في إرادة الإنسان عندما يعقد العزم على أن يكون عظيم الأثر، ولعل الشاعر العربي قصد إلى هذا المعنى حين قال:
والنفس راغبةُ إذا رغبتها
وإذا تُردُّ إلى قليل تقنعُ
وكان المتنبي غيرَ بعيد عن هذا حين قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
إن الغاية من وضع هذا الكتاب،هي إنعاش شعور أن نعيش الحياة في عملٍ وتعلم، واستقطارٍ كامل للوقت الذي نتقن إهداره ..
هذا في الوقت الذي لا تزعم فيه صفحات الكتاب أنها تقدم "وصْفة لــِ ((كيف يُصبح الإنسان عظيماً ؟ )) وإنما أحد الأهداف المنشودة أن تشير إلى درب العظمة عند هؤلاء الذين ورد ذكرهم، لأن من علامات النضج في الإنسان أن يفيد من تجارب غيره ليختصر الكثيرمن الوقت الذي يمكن أن يهدره وهو يجرب هذا ويُقلع عن ذاك .. وأن الإنسان لا يحتاج أن يكون موهوباً، خارق الذكاء كي يكون عظيماً ،وإنّمايكفيه أن يكون ذا قلبٍ يقظٍ، وضميرٍ حي، وإرادة مصمّمة ،يشعر أن الحياة لا تكون حياته حقاً، إلاّ إذا أُنفقت في عمل مُتصل من أجل الحرية والحق والعدل، وهنا يضيء قول " فيخته ": " .... أما أن تكون حراً فهذا لا شيء وأما أن تصبْح عظيماً فهذا كل شيء " لأن الإنسان الحقيقي هومخلوق العمل والإرادة .
كما يطمح الكتاب ،أن يكون في حياة كل واحد من هؤلاء ضوء للشباب الذي لا يرضى من حياته أن يكون ضيفاً أو مستأجراً في هذه الدنيا .
ولا يُريد الكتاب أن يقول: إن الإرادة والعمل، يحققان المستحيل بل يريد القول انهما يحققان الممكن ولا حدود مرئية لهذا الممكن الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان .
إن أحد طموحات هذا الكتاب أن يحفز القارئ إلى آثار الذين ورد ذكرهم، وآثار غيرهم ،لأن أي كتاب مهما كان لا يستطيع - وإن حاول - قول كل شيء عن واحدٍ من هؤلاء .
اتفق الناس أن تاريخ الرجال العظام، هو خير مدرسة للناس .. وفي سيرهم دروسٌ عظيمة الفائدة تدفعنا دائماً إلى الأمام .
والرجال العظام لا ينحصرون في مجال واحد من مجالات الحياة بل هم كمايقول " فولتير ": " مًنْ وفرّوا السعادة للبشر وهدوا الناس سُبل الحرية، ودعوا إلى ما يحقق المثل الإنسانية العليا " .
لم يتبع الكتاب الطريقة العادية - تعاقب الأزمان- وهو يتحدث عن بعض الذين صنعوا أنفسهم ،لا فيما بينهم كأفراد، ولا في تسلسل أحداث حيواتهم، ولكنه أتخذّ من مجمل حياة كل واحد فيهم المواقف المضيئة التي برز فيها دور الإرادة والقدرة على العمل المتواصل في جعل الحياة أكثر ثراءً وعطاءً .
تلك المواقف التي توضح ملامح الشخصية - موضوع الحديث - بقدر يكفي أن يجعل منها حافزاً نحو الصعود - إن لم ينجح في أن يجعل منها قدوة ومثلاً .
ليس القصد عرض الحياة في تتابعها الزمني، وإنّما القصد،التقاط تلك اللحظات العادية التي تبدو عند الكثيرين انها لحظات نادرة لا يملكها إلاّ الموهوبون من بني البشر .
الكتاب محاولة لأن يرسم لمن ذكرهم صورة فيها: شجاعة في المواقف، شجاعة في الرأي وصلت حدَّ الاستشهاد في سبيله، صلابة على المبدأ، إلى حد التضحية بالحياة من أجله ...
وشجاعة في الصبّر على قسوة الظروف الذاتية والموضوعية المحيطة كما الشجاعة في الإرادة والعمل المتواصل من أجل الوصول إلى الهدف المرسوم .
وإذا كانت الصورة تبدو غير كافية هُنا أوهناك فانها تبقى على أية حال صورة بوسع المرء إذا أراد أن يكملها وأن يسعى لذلك بنفسه .
وأحد الأمور التي يحاولها الكتاب، أن يضع القارئ أمام عدد من الأسئلة: كيف ننتصر علىعوامل التثبيط واليأس في حياتنا ؟ كيف نتجاوز الفشل ؟
كيف نتعلم الهدوء والصبر ونحن نحاول أن نقدّم شيئاً من أجل الآخرين، كيف نعود أنفسنا أن يكون لنا في حياتنا نعمل من أجله كي نبرر وجودنا الفاعل ؟
ولعل ما يريده الكتاب يوجزُ بكلمات .
يبقى النبوغ - أوصُنع النفس - ظاهرة اجتماعية فردية لم تستطع أكثر الظروف ظلاماً وقهراً أن تمحوها أوتحطّ من قدرها، وسوف يبقى النابغون - صانعو أنفسهم - مشعلاً يُضيء الدّرب نحو التقدم في العصور كلِّها .